في تمام الساعة الرابعة من بعد ظهر يوم الخميس 13 تشرين الأول 2022، ترأّس غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الأنطاكي، رتبة إعادة تقديس وتكريس كنيسة مار أفرام في دير مار أفرام السرياني التاريخي، في مدينة ماردين – تركيا. ثمّ احتفل غبطته بالقداس الإلهي على المذبح الجديد للكنيسة التي ارتدت حلّةً قشيبةً مستعيدةً بهاء صورتها الأولى.
دخل غبطة أبينا البطريرك بزيّاح حبري مهيب إلى الكنيسة، يتقدّمه الأساقفة والكهنة والشمامسة. ثمّ ترأّس غبطته رتبة إعادة تقديس وتكريس الكنيسة، يعاونه فيها صاحبا السيادة: مار ديونوسيوس أنطوان شهدا رئيس أساقفة حلب، ومار برنابا يوسف حبش مطران أبرشية سيّدة النجاة في الولايات المتّحدة الأميركية، والخوارسقف أورهان شانلي النائب البطريركي في تركيا، بحضور ومشاركة أصحاب السيادة: مار أفرام يوسف عبّا رئيس أساقفة بغداد والمدبّر البطريركي لأبرشية الموصل وتوابعها وأمين سرّ السينودس المقدس، ومار يعقوب جوزف شمعي رئيس أساقفة الحسكة ونصيبين، ومار اسحق جول بطرس مدير إكليريكية سيّدة النجاة البطريركية بدير الشرفة ومسؤول رعوية الشبيبة.
شارك في الرتبة صاحب السيادة المطران مارك سولسزينسكي Mark SOLCZYNSKIالسفير البابوي في تركيا، وصاحبا السيادة: المطران مارتين كميتيك Martin KMETECرئيس أساقفة إزمير للاتين ورئيس مجلس أساقفة تركيا الكاثوليك، والمطران ماسّيميليانو بالينورو Massimiliano PALINUROالنائب الرسولي للاتين في اسطنبول.
كما شارك بمحبّة أخوية خاصّة أصحاب النيافة المطارنة من الكنيسة السريانية الأرثوذكسية الشقيقة: مار تيموثاوس صموئيل أقطاش مطران أبرشية طور عبدين ورئيس دير مار كبريال، ومار فيلكسينوس صليبا أوزمان مطران أبرشية ماردين وتوابعها ورئيس دير الزعفران، ومار غريغوريوس ملكي أورك النائب البطريركي في أديمان وجوارها، يرافقهم عدد من الآباء الكهنة.
وشارك أيضاً الآباء الخوارنة والكهنة المرافقون لغبطته، وهم: الخوراسقف مارون كيوان رئيس المحكمة الكنسية الإبتدائية في أبرشية بيروت البطريركية، والمونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، والأب جليل هدايا النائب القضائي في أبرشية بيروت البطريركية، والأب عبدو أبو كسم مدير المركز الكاثوليكي للإعلام في لبنان، والأب ريتشارد – دير الشرفة، والأب بول قس داود كاهن الإرساليات السريانية في سودرتاليا وفيستروس واسكلستونا – السويد، والأب كريم كلش أمين السرّ المساعد في البطريركية، فضلاً عن مشاركة عدد من الآباء الخوارنة والكهنة من الكنائس الشقيقة في تركيا. وخدم القداس شمامسة النيابة البطريركية في تركيا.
وحضرت هذه المناسبة جماهير غفيرة من المؤمنين الذين احتشدوا داخل الكنيسة وفي باحتها وساحات الدير، معبّرين عن فرحهم وسرورهم بهذا الحفل الروحي التاريخي، وطالبين نيل بركة غبطة أبينا البطريرك، وفي مقدّمتهم الوفد القادم من اسطنبول والذي ينيف على مئة وخمسين شخصاً، وكذلك المؤمنون من ماردين ومن المناطق الأخرى في تركيا.
تلا غبطته الصلوات الخاصّة برتبة تقديس وتكريس الكنيسة بحسب الطقس السرياني الأنطاكي، وخلالها قام غبطته بمسح المذبح المقدس بالميرون، وكذلك الواجهة الخلفية للمذبح، يعاونه أصحاب السيادة المطارنة. ثمّ مسح غبطته جهات الكنيسة وأبوابها بالميرون المقدس، وسط جوٍّ من الخشوع والفرح الروحي العابق، مع التصفيق والتهليل والزغاريد.
وبعد أن قام غبطته بإكساء المذبح الرئيسي الكبير بالحلّة الكنسية البهيّة، احتفل غبطته بالقداس الإلهي.
وفي موعظته بعد الإنجيل المقدس، أعرب غبطة أبينا البطريرك عن عميق فرحه وسروره مع جميع الحاضرين والمشاركين في هذه المناسبة التاريخية، مشيراً إلى الآية المكتوبة بالسريانية فوق الصليب الكبير المرفوع وراء المذبح«ܚܽܘܪܘ̱ ܠܘܳܬܶܗ ܘܣܰܒܰܪܘ̱ ܒܶܗ»أي "أنظروا إليه وترجّوا به، نعم أحبّائي سنوجّه دائماً أنظارنا نحو يسوع المصلوب، وفيه نضع كلّ رجائنا".
ونوّه غبطته إلى أنّنا "أعدنا تقديس هذه الكنيسة الجميلة لديرنا، دير مار أفرام السرياني، هذا الدير الذي تعرفونه أغلبيتكم، وهو ثمرة عمل هؤلاء الرهبان المجتهدين الذين بنوه وصلّوا فيه، ولطالما نظروا إلى يسوع المصلوب".
ولفت غبطته إلى أنّنا "صلّينا إلى الرب الإله كي يعيد تكريس هذه الكنيسة، وسألنا شفاعة أمّنا السماوية مريم العذراء، وطلبنا أيضاً شفاعة مار أفرام السرياني ابن نصيبين بقربكم هنا، هذا القديس العظيم الذي أُعلِن دكتوراً أي ملفاناً للكنيسة الجامعة على لسان البابا بنديكتوس الخامس عشر عام 1920، في مثل هذا الشهر عينه، في 5 تشرين الأول 1920، ونحن نتابع الصلاة مع مار أفرام، وترنيم المجد للرب مع هذا القديس العظيم، ونكرّم معه أمّنا السماوية، وهو الذي سُمِّي بالشاعر المريمي بامتياز".
وجدّد غبطته "الشكر لكم جميعاً، أصحاب النيافة والسيادة رؤساء الأساقفة والأساقفة، أكانوا من كنيستنا السريانية الكاثوليكية في حلب والولايات المتّحدة الأميركية وبغداد والموصل والحسكة ولبنان، وكذلك أصحاب النيافة من الكنيسة السريانية الأرثوذكسية الشقيقة، من طور عبدين وماردين وأديمان، والآباء الكهنة الذين يرافقونهم. ونحن ممتنّون جداً لوجود ومشاركة صاحب السيادة السفير البابوي في تركيا، وصاحبي السيادة مارتين ومسّيميليانو، والآباء الكهنة، وأعضاء الوفد القادم معنا، وجميعكم أيّها المؤمنون والمؤمنات الأحبّاء الذين أثلجتم قلوبنا بحضوركم ومشاركتكم بهذه الأعداد الكبيرة، سواء الوفد القادم من اسطنبول، أو الأعزّاء من ماردين والمناطق الأخرى في تركيا".
ووجّه غبطته الشكر الجزيل "باسمكم جميعاً إلى النائب البطريركي العزيز في تركيا الخوراسقف أورهان شانلي، وإلى أعضاء لجنة ماردين، وجميع الذين ساعدوهم، سواء بصلواتهم، أو دعمهم، أو عطاءاتهم وتبرّعاتهم".
وختم غبطته موعظته بتجديد "ثقتنا بالرب يسوع وإيماننا به واتّكالنا الدائم عليه، هو نبع فرحنا ورجائنا ومحبّتنا، وهو الذي يجمعنا ويوحّدنا".
وكان الخوراسقف أورهان شانلي قد ألقى كلمة قبل بدء رتبة التقديس، هذا نصّها:
"أحيّيكم جميعاً بمحبّة وتقدير، وقد جئنا من اسطنبول إلى ماردين، مهد الحضارات ومركز المحبّة والتسامح والسلام، ونحن فخورون أن نكون هنا للاحتفال بإعادة تقديس وتكريس كنيسة دير مار أفرام هذه، راجين أن تكون سبب بركة لنا جميعاً.
أشكركم جميعاً لمشاركتكم معنا في هذه المناسبة التاريخية، وفي مقدّمة الجميع أشكر غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان الذي يترأس هذا الاحتفال بمحبّته الأبوية المعهودة، وأدعو له بالصحّة والعافية والعمر المديد في رعاية كنيستنا السريانية الكاثوليكية في كلّ مكان، وهو يبذل الجهود الجبّارة بما حباه الله من روح الراعي الصالح والمدبّر الحكيم.
في شهر أيّار 2018، وبرئاسة وحضور ومشاركة غبطة أبينا البطريرك، حقّقنا افتتاح وإعادة تقديس وتكريس كاتدرائيتنا، مريم آنا، في ماردين، باحتفال روحي مهيب، وقد لاحظنا حينها الحالة المأساوية التي كانت عليها كنيسة مار أفرام هذه، والتي كانت قد تُرِكت وأُهمِلت بعد أن أصبحت أنقاضاً.
فقام أعضاء لجنة ماردين الأعزاء، مع عدد من المؤمنين الغيارى والمتطوّعين، بمثابرة مشهودة ومقدَّرة، بالعمل المضني بعدما اتّخذوا قرار إعادة ترميمها وتأهيلها. لم يتّكلوا على أحد، إنّما بإمكانياتهم الخاصّة المتوفّرة، وبعد سنتين من العمل والتضحيات، نجح هؤلاء الأعزّاء وبجدارة بإعادة إحياء هذه الكنيسة، ونحن فعلاً ممتلئون سروراً إذ نعاين اكتمال هذا الإنجاز الهامّ. وكم هو مؤثّر أن نرى الجميع مجتمعين هنا، من رؤساء الكنائس في تركيا وممثّليهم والشعب المؤمن، وهم يرون الكنيسة وقد اكتملت أعمال ترميمها كما يجب ويليق.
أشكر أعضاء لجنة ماردين لأنّهم أتمّوا هذا العمل الجبّار وأكملوا ترميم هذه الكنيسة التاريخية بالتطابق والأمانة مع حالتها الأصلية وقت التأسيس، وأهنّئهم من أعماق القلب. فقد أعادوا إحياء إرث تاريخي وثقافي سبيقى خالداً للأجيال القادمة، فهذه الكنيسة ستنبض بالحياة لسنين عديدة، بإذن الرب، لخير كنيستنا وشعبنا الطيّب في ماردين وجميع المسيحيين، فليبارككم الرب ويقوّيكم ويوفّقكم. كما نعرب هنا عن امتناننا وشكرنا من كلّ القلب لجميع الذين عملوا كي يكتمل هذا الإنجاز من مهندسين ومتعهّدين وعمّال.
إذا نظرنا إلى تاريخ ماردين، ندرك أنّها لطالما كانت مقرّاً للتلاقي بين الحضارات والأديان، وأنّ جميع الشعوب التي مرّت واستقرت هنا عاشت بسلام. ونحن سكّان هذا البلد العظيم والجميل، وإن كنّا من أديان وطوائف مختلفة، فإنّنا نبرهن من خلال افتتاح هذه الكنيسة على أنّنا نؤلّف موزاييكاً، حيث لا اختلاف بين الأديان والأعراق واللغات والثقافات، وإنّما تشكّل جميعها مصدر غنى لبلدنا العزيز الذي فيه نعيش بسلام وأمان، وهو مبعث فخرنا واعتزازنا. أشكر الله على هذه المناسبة البليغة المعاني، واسمحوا لي أن أتكلّم قليلاً عن تاريخ هذه الكنيسة:
تمّ وضع حجر الأساس لدير مار أفرام في ماردين عام 1881، بيد المثلّث الرحمات البطريرك مار اغناطيوس جرجس شلحت، وفي عهد المطران مار يعقوب متّى أحمردقنو. وعام 1884 انتهت أعمال بناء الكنيسة والدير، فاحتفل المطران أحمردقنو بتقديس الكنيسة وافتتاح الدير. وفي 16 شباط 1916، إبّان الحرب العالمية الأولى، اتّخذ الجيش من الدير مقرّاً وحاميةً له. وفي تشرين الثاني 1918 انتهت الحرب، فعاد إلى استعماله الطبيعي. وعام 1922 استُعمِل كمستشفى عسكري، وحتّى كسجن أيضاً. ومؤخّراً جرى استعماله كمصنع للفحم الحجري وكمخزن. وخلال كلّ هذه الاستعمالات، جرى تغيير معالم الكنيسة والدير، وبالتالي هُدِمت الكنيسة. ثمّ، وبفضل مشاريع إعادة البناء والإعمار والتأهيل، تمّت إعادة الكنيسة إلى حلّتها الأولى بتقنيات ملائمة، وهكذا سيخدم هذا البناء المبارك لأجيال عديدة قادمة بإذن الرب.
هذه الكنيسة وهذا الدير هما معلَمَان تاريخيان ينيران البنية الدينية والاجتماعية لمدينة ماردين العزيزة، ونحن على يقين أنّ إعادة تأهيلهما وبعث الحياة فيهما سيساهمان أيضاً بجذب السيّاح وبالازدهار الاقتصادي في هذه المدينة. هذا ولا تزال أعمال الترميم قائمة على قدم وساق في قسم كبير من الدير.
نجتمع هنا في هذا المناسبة المباركة، نحن المسيحيين أبناء هذا البلد الذين نتشارك المصير عينه، ونصلّي معاً من أجل السلام والوحدة في وطننا، سائلين الرب الإله أن يبعد عن بلدنا وعن العالم بأسره كلّ أشكال النزاعات والانقسامات والخلافات بين الإخوة، وأن يمنح المسؤولين المدنيين فيه الحكمة والفطنة، وأن ينشر محبّته في كلّ القلوب.
أسأل الله أن يحفظكم جميعاً أيّها الأحبّاء ويبارككم ويوفّقكم".
وقبل نهاية القداس، قام غبطة أبينا البطريرك بتكريم أعضاء لجنة ماردين، وأهدى كلاً منهم ميدالية سيّدة النجاة البطريركية، عربون محبّة وشكر وتقدير على جهودهم المضنية في إعادة إعمار وتأهيل هذه الكنيسة والدير.
وفي ختام الرتبة، منح غبطة أبينا البطريرك بركته الرسولية للمؤمنين الذين تقاطروا لنيل بركته، والتقى بهم في جوٍّ من الفرح والبهجة بهذا الحدث التاريخي المبارك. فشكراً لله على عطيته التي لا يعبَّر عنها.
وبعد البركة الختامية، أزاح غبطته الستار عن اللوحة الرخامية التذكارية التي وُضِعَت تخليداً لهذه المناسبة المباركة، وسط الفرح والتصفيق والتهليل.
|