في تمام الساعة الخامسة والنصف من مساء يوم السبت ٢٧ أيّار ٢٠٢٣، احتفل غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بالقداس الإلهي بمناسبة عيد العنصرة وهو حلول الروح القدس على التلاميذ في العلّية. وخلال القداس، قام غبطته برسامة شمامسة قرّاء وأفودياقونيين وشمّاسات مرتّلات لإرسالية مار يوسف، وذلك في كاتدرائية القديس كاسيان، في مدينة تور - فرنسا.
عاون غبطتَه المونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، والأب نبيل ياكو كاهن إرسالية مار يوسف في تور ووسط وغرب فرنسا، بحضور ومشاركة الأب حان ماري هومو مساعد النائب العام لشؤون الكاثوليك الشرقيين في فرنسا، والأب فرانسوا دو سارتيل كاهن الكاتدرائية. وخدم القداس شمامسة الإرسالية وأعضاء الجوق، بمشاركة جموع غفيرة من المؤمنين من أبناء الإرسالية، والذين قَدِموا لنيل بركة غبطته وحضور هذه المناسبة الروحية المباركة.
في بداية القداس، أقام غبطته الرتبة الخاصّة بعيد العنصرة، بما فيها من ترانيم وقراءات، وتخلّلتها صلاة السجود حيث استلهم غبطته حضور الروح القدس. ثمّ طاف غبطته بين المؤمنين راشّاً إيّاهم بالماء المقدس علامة حلول الروح القدس.
وفي موعظته بعد الإنجيل المقدس، أعرب غبطة أبينا البطريرك عن عميق سروره "في هذا المساء الذي هو يوم مليء بالفرح والمعاني المقدسة، هو عيد حلول الروح القدس على التلاميذ، ونسمّيه عيد العنصرة. والعنصرة كلمة عبرية، وتعني الاجتماع واللقاء، وهو اليوم الخمسون بعد عيد القيامة، إذ في هذا العيد كان المؤمنون اليهود يأتون إلى أورشليم من كلّ أنحاء العالم، كما سمعنا من سفر أعمال الرسل، كي يصلّوا. وسمعنا كيف حدث هذا الحلول للروح القدس على التلاميذ بقوّة وبألسنة نارية استقرّت على رؤوسهم، إذ كانوا مجتمعين مع العذراء مريم، ونالوا الروح القدس كما وعدهم الرب يسوع. فيسوع لم يعد معهم بجسده الإنساني، بل أصبح معهم من خلال روحه القدوس".
ونوّه غبطته إلى أنّنا "نحبّ معكم أن نشكر الرب على نعمة شفاء أبونا نبيل ياكو، ونعرف جيّداً كم صلّيتم جميعكم من أجل شفائه، كي يستطيع أن يكمل رسالة الخدمة لكم، أنتم الموجودين في تور وباقي المدن، وأبونا نبيل مليء بالعرفان بالجميل والشكر لكم ولصلواتكم".
ولفت غبطته إلى أنّ "مار بولس يذكّرنا في رسالته إلى أهل كورنثوس أنّ الروح هو الذي يوزّع العطايا على أعضاء الكنيسة، إذاً نحن أعضاء جسد الرب يسوع، ولكلّ عضو دوره الخاص. ويشرح رسول الأمم ذلك جيّداً، فنحن لا يمكن أن يكون لدينا جميعنا الدور نفسه، لكنّنا كلّنا أعضاء حيّة وفاعلة في جسد يسوع".
وأشار غبطته إلى أنّنا "نفرح اليوم أيضاً لأنّنا سنرسم ثلاثة من شبّاننا مرنّمين وقرّاء، سنقصّ لهم قليلاً من شعرهم، وسنذكّرهم من خلال هذه العادة أنّ الرب يدعوهم إلى خدمته وخدمة مذبح كنيسته، وأنّ عليهم أن يعتزّوا ويفتخروا بهذه الرسالة السامية. وسنرقّي ثلاثة شبّان إلى درجة الأفودياقون، أي الرسائلي. وبفرح سنبارك بصورة خاصّة السيّدات والآنسات عضوات الجوق، كي يدركْنَ هنَّ أيضاً أنّ لهُنَّ دور هامّ في الكنيسة، وأنّ عليهنّ أن يتكرّسْنَ للرب يسوع ولكنيسته بالفرح والتواضع والمحبّة".
واعتبر غبطته أنّنا "لا نستطيع كبطريرك أن نكون بينكم دائماً، ونحن لسنا لبلد معيَّن أو أبرشية معيَّنة، لكنّنا نبذل جهدنا كي نتابعكم ونتابع أخباركم، لا سيّما النجاح الذي تحقّقونه هنا في تور، بالأمانة للرب يسوع، وبالفرح في خدمته في الكنيسة، وبالشهادة التي تقدّمونها للمجتمع هنا في مدينة تور وضواحيها. إنّكم حقيقةً تلاميذ وأبناء وبنات الآباء والأجداد الذين نقلوا إليكم الإيمان، بعدما ضحّوا في الماضي كثيراً للحفاظ على إيمانهم. ونحن نعلم جيّداً الأوضاع الصعبة التي تحيط بكم، لأنّ كلّ هجرة تولّد انفصالاً عن الأرض الأمّ، وعن ثقافة أجدادنا وبلادنا واللغة التي اعتدنا عليها في بلداننا، سواء السريانية أو العربية، لكنّ الرب يسوع وعدنا أن يبقى معنا على الدوام رغم كلّ الصعوبات والتحديات".
وعبّر غبطته عن "الإمتنان الكبير للرئاسة الأسقفية في أبرشية تور، على هذا الاستقبال والاحتضان المفعَم بالتضامن المسيحي، سواء نحوكم أو نحو جميع المهاجرين الذي يأتون ويغيّرون حياتهم وينخرطون في المجتمع في هذا البلد الكريم والمضياف فرنسا".
وختم غبطته موعظته بالتأكيد على أنّ "علينا أن نتذكّر دائماً، ولا سيّما الشباب الذين لهم أهمّية كبرى ومحبّة خاصّة في قلبنا، أنّ الثقافة تتغيّر، أمّا الإيمان فيبقى هو هو على الدوام، قوياً وصلباً، لأنّ الإيمان بالرب يسوع هو ما ورثناه عن آبائنا وأجدادنا، هذا الإيمان الذي يمنحنا الفرح الحقيقي. فلا نعتقد أنّ وسائل التواصل الإجتماعي هي أحد مصادر فرحنا، إذ على الفرح الحقيقي أن ينبع دائماً من قلوبنا التي يجب أن تكون متّحدة بالرب يسوع".
وقبل المناولة، قام غبطته بمنح الرسامات بدرجة المرنّم والقارئ لثلاثة من أولاد الرعية، ثمّ رقّى غبطته ثلاثة من القرّاء إلى درجة الأفودياقون (أي الرسائلي). كما قام غبطته بمنح عضوات الجوق درجة شمّاسات مرتّلات، في جوّ من الخشوع والفرح الروحي، وسط زغاريد النساء والتصفيق الحادّ.
وكان الأب نبيل ياكو قد ألقى كلمة عبّر خلالها عن فرحته "التي لا يمكن أن توصف اليوم، وذلك لعدّة أسباب، فإنّ ثلاثة من أطفال الإرسالية سينالون نعمة أن يكونوا من خدّام المسيح على المذبح، وثلاثة سيرتقون أيضاً، ولكنّ الفرح الأكبر هو وجود غبطته بيننا، واحتفاله بعيد العنصرة معنا، رغم الانشغالات والبُعد، لكنّ حضور غبطته بين أبنائه وزيارته الأبوية وترؤّسه هذه المناسبة رغم بُعد المسافات أمر هامّ جداً، وبالنسبة لنا نعتبره فخراً كبيراً أن يكون غبطته معنا اليوم ويشاركنا فرحة في هذه المناسبة".
وقدّم جزيل الشكر لغبطته "على حضوره ومحبّته، ونحن جميعنا نذكره دائماً في صلواتنا، كي يمنحه الرب الصحّة والعافية والعمر الطويل، فليس بالسهل أبداً في هذه الأيّام أن يتابع غبطته شؤون الرعايا في العالم رغم التحدّيات، ولكنّنا كنيسة متمسّكة بغناها وتراثها. نشكر غبطتَه ونسأله أن يصلّي من أجلنا، وأنا شخصياً أطلب صلاته لا سيّما بعد فترة المرض التي قضيتُها، أشكر محبّته وأشكر حضوره من أجل هذه الرعية الفتيّة والغنيّة بوجوده".
ووجّه الشكر "باسمكم جميعاً إلى كاهن الكاتدرائية الذي فتح لنا قلبه قبل أن يفتح كنيسته، وأودّ أن أستغلّ وجوده معنا، وأشكر محبّته لنا جميعاً، واستقباله لنا، وحرصه كي نحافظ على لغتنا وحضارتنا وطقسنا وتراثنا الليتورجي. وأشكر الأب جان ماري هومو لكلّ الجهود المبذولة من أجل مسيحيي الشرق المقيمين في فرنسا. أشكركم جميعاً وأطلب صلاتكم".
وقبل البركة الختامية، ألقى الأب جان ماري هومو كلمة أعرب فيها عن الفرح بالمشاركة في هذه المناسبة، شاكراً غبطته على هذه الزيارة المباركة، مهنّئاً الشمامسة الجدد، ومتمنّياً لإرسالية مار يوسف وللكنيسة السريانية الكاثوليكية في فرنسا دوام النجاح والازدهار.
وبعدما منح غبطته البركة الختامية، التقى المؤمنين في قاعة الكاتدرائية في جوّ من الفرح العارم بلقاء الأولاد بأبيهم الروحي. وقدّم الجميع التهاني إلى الشمامسة المرتسمين الجدد بهذه المناسبة المباركة. ألف مبروك.
|