في تمام الساعة الحادية عشرة من صباح يوم الإثنين 1 نيسان 2024، ترأّس غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، القداس الإلهي الذي احتفل به المونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، بمناسبة إثنين القيامة المجيدة. ورفع غبطته الصلاة من أجل جميع الموتى الراقدين بحسب العادة في مثل هذا اليوم من كلّ سنة، إذ فيه تذكر الكنيسة جميع الموتى، وذلك في كنيسة مار اغناطيوس الأنطاكي، في الكرسي البطريركي، المتحف – بيروت.
شارك في القداس صاحبُ السيادة مار غريغوريوس بطرس ملكي، والأب كريم كلش أمين السرّ المساعد في البطريركية وكاهن إرسالية العائلة المقدسة للمهجَّرين العراقيين في لبنان، والأب طارق خيّاط الكاهن المساعد في إرسالية العائلة المقدسة، والراهبات الأفراميات، وجمع من المؤمنين.
وفي موعظته بعد الإنجيل المقدس، بعنوان "حقّاً قام ربّنا وظهر لشمعون"، تحدّث المونسنيور حبيب مراد عن "أفراح عيد القيامة التي نعيشها هذه الأيّام، وهي أفراح مميَّزة، أفراح عيدنا الكبير، العيد الأعظم، أساس إيماننا، وأساس دعوتنا المسيحية. إنّه عيد قيامة الرب يسوع من بين الأموات، هذا العيد الذي يقول لنا عنه مار بولس الرسول: لو لم يقم المسيح من الموت، فإيماننا باطل، وتبشيرنا باطل، ونحن بعدُ أموات في خطايانا. هذه القيامة هي رجاؤنا ومبعث فخرنا واعتزازنا، فها نحن نرى الحجر المدحرَج والقبر الفارغ المرتَّب والمجلَّل بالبياض علامة النصر الكبير الذي حقّقه الرب، إذ قام ظافراً من الموت، كلّ هذه الدلائل تُظهِر لنا انتصار ربّنا وقوّته والتعزية بالخلاص الذي منحنا إيّاه".
ونوّه إلى أنّ "الكنيسة رتّبت في هذا اليوم الثاني بعد عيد القيامة مناسبة جميلة جداً، نصّاً رائعاً جداً من إنجيل لوقا البشير، نذكر فيه هذا اللقاء المعزّي والمفرح الذي حصل بين يسوع وتلميذين مبشّرَين من المبشّرين الذين كانوا يتبعون يسوع، كانا قد رأيا ما حدث مع يسوع، في الصلب والموت، بعد أن دخل يسوع إلى أورشليم بالمجد، وأمضى الأسبوع بالتبشير في أورشليم، وكيف في النهاية هزأوا به وأخذوه وجلدوه وصلبوه، وتعذّب وتألّم ومات، وأُقفِل باب القبر بالحجر. لا يعرفان أكثر من ذلك، يئسا، تملّك اليأس في كيانهما، ففضّلا الهرب والعودة إلى حياتهما العادية السابقة".
ولفت إلى أنّ "التلميذين ذهبا في طريقهما، وقصدا قرية بعيدة تُدعى عمّاوس، تحتاج مسافة طويلة من السفر سيراً، في ذلك الوقت، والنهار يميل وقد حلّ المساء، وكانا يريدان الهرب والابتعاد. وفيما هما في قمّة هذا الإكتآب واليأس، يظهر لهما يسوع. وهكذا نحن أيضاً، كلٌّ منّا في حياته، يسوع ينتظرنا في عزّ يأسنا وألمنا وصعوبتنا. يظهر لنا يسوع، ويشدّدنا ويقيمنا ويريحنا، إذا سلّمنا له حياتنا".
وأشار إلى أنّ "التلميذين يتكلّمان مع يسوع ويخبرانه بكلّ شيء، فيما راح يسوع يفسّر لهما حقيقة الأمور، إلا أنّهما لم يستطيعا اكتشاف حقيقته، لأنّ الخوف واليأس أعميا قلبيهما، لأنّهما لم يسلّما حياتهما للرب، ولم يثقا به. ولكن متى اكتشفا حقيقته؟ حين جلس معهما. في البداية لم يجلس معهما على الفور، أتيا يدعوانه، فتظاهر بالذهاب إلى مكان أبعد، لكنّهما ألحّا عليه. يريدنا يسوع أن نسلّم حياتنا بكلّيتها له، فعندما ألحّا عليه، ذهب إليهما، وجلس معهما، وكسر الخبز والخمر".
وتابع منوّهاً إلى أنّ "هذه الحادثة دليل كبير على أنّ مشاركتنا مع الرب يسوع تتجلّى في قمّتها بالذبيحة الإلهية التي فيها نتغذّى من وليمة كلمة الرب التي سمعناها للتوّ، ثمّ وليمة الخبز والخمر التي تتقدّس وتتبارك على المذبح، فتصبح جسد الرب ودمه، ثمّ تكتمل عندما نتشارك كلّنا معاً ونعيش ثمرة هذه الذبيحة، فنتناول جسد الرب ودمه، ونثبت فيه، ويثبت هو فينا، ويهبنا الحياة. وهذه الحادثة تعلّمنا أن نبقى واثقين بالرب القائم والمنتصر، وبأنّه سيبقى معنا ويكمل معنا كلّ عمل صالح، لما فيه خيرنا وخلاصنا، لأنّه هو مصدر حياتنا ومنبع رجائنا".
وأردف قائلاً: "في هذا النهار المبارك أيضاً، ثاني يوم عيد القيامة، نجدّد المعايدة للجميع، وعلى رأس الكلّ غبطة أبينا البطريرك، وكلّ واحد بينكم. وفي هذا النهار أيضاً ذكرنا وذهبنا صباحاً وصلّينا أمام مدافن أمواتنا. نذكر أمواتنا الذين سبقونا على رجاء القيامة، ونتذكّر قول الرب يسوع لمريم ومرتا بعد وفاة لعازر أخيهما: أنا القيامة والحياة، من آمن بي وإن مات فسيحيا. هذه القيامة والحياة النابعة من الرب هي التي توحّدنا مع أهلنا وإخوتنا وأبنائنا الذين رقدوا بالرب، والذين زرناهم اليوم، وهم دائماً في قلوبنا، ونحن متّحدون معهم حتّى مجيء الرب".
وختم "بتجديد المعايدة للجميع، ونطلب أن يظلّ رجاء ونعمة القيامة ثابتاً في قلوبنا على الدوام".
وفي نهاية القداس، منح غبطة أبينا البطريرك البركة الختامية. ثمّ انتقل الجميع إلى الصالون البطريركي حيث استقبل غبطته المهنّئين بالعيد.
|