في تمام الساعة الثانية عشرة والنصف من ظهر يوم الأحد 7 تمّوز 2024، احتفل غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بالقداس الإلهي بمناسبة الأحد السابع بعد عيد العنصرة، وذلك لإرسالية العائلة المقدسة السريانية الكاثوليكية في مدينة سيدني Sydney– أستراليا.
عاون غبطتَه أصحابُ السيادة: مار باسيليوس جرجس القس موسى الزائر الرسولي في أستراليا ونيوزيلندا، ومار برنابا يوسف حبش مطران أبرشية سيّدة النجاة في الولايات المتّحدة الأميركية، ومار أفرام يوسف عبّا رئيس أساقفة بغداد وأمين سرّ السينودس المقدس، والمونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، والأب يوحنّا إينا كاهن إرسالية سيدني، والأب ماجد آل حنّا الكاهن المساعد في إرسالية سيدني، بمشاركة الأب لويس بركات، والأب الراهب سيبستيان قليموس. وخدم القداس شمامسة الإرسالية، وأعضاء الجوق. كما شاركت جماهير غفيرة من المؤمنين الذين غصّت بهم الكنيسة الواسعة وساحاتها، وقد حضروا بفرح وشوق لنيل بركة غبطته في زيارته الراعوية الثانية إلى هذه الإرسالية، وللمشاركة في هذا الاحتفال الروحي المبارك.
وفي موعظته بعد الإنجيل المقدس، استهلّ غبطة أبينا البطريرك كلامه بشكر الأب يوحنّا إينا على ترحيبه البنوي الحارّ باسم الإرسالية، معرباً عن "فرحنا وسرورنا بالقيام بهذه الزيارة الأبوية الراعوية الثانية إلى إرسالية سيدني، ومعنا أصحاب السيادة الأجلاء، ونحن نتفقّد شؤونكم ونعاين التقدّم الملموس التي تحقّقه هذه الإرسالية الغالية على قلبنا الأبوي".
ونوّه غبطته إلى أنّنا "سمعنا قراءة من رسالة مار بولس إلى أهل كورنثوس، وكورنثوس مدينة لا تزال موجودة وعامرة في اليونان، وكانت مدينة مهمّة في زمن مار بولس الذي كتب إلى أهلها رسالتين. وفي النصّ الذي سمعناه، يذكّر بولسُ المؤمنين الذين يسمّيهم قديسين، بمعنى أنّهم أصبحوا حقيقةً من تلاميذ الرب يسوع ويتقدّسون به، يذكّرهم بمفهوم الإيمان الحقيقي، وبما يُسمَّى الحضارة العقلية العالمية. ومهما حاولنا أن نتلافى هذا التمييز بين الخير والشرّ، فنحن على يقين أنّه ليس هناك خير مجرَّد وشرّ مجرَّد، بل هناك الإنسان المؤمن الذي يعيش الخير والفضائل، وهناك الإنسان غير المؤمن وغير القابل الإيمان والأخلاق التي يفرضها الإيمان في العالم".
ولفت غبطته إلى أنّكم "تعرفون اليوم التحدّيات الكبيرة التي تجابه المؤمن هنا في البلاد التي تسمّي نفسها بلاد الحرية والديمقراطية. لدينا تحدّيات جمّة، لا سيّما في موضوع العائلة وتربية الأولاد والدفاع عن الحياة، فالحرّية ليست التحرُّر المنفلت. لقد أعطانا الربُّ الحياةَ كي نمجّده بحياتنا الصالحة، بالأفعال قبل الأقوال".
وشدّد غبطته على أنّ "الإنجيل المقدس كان واضحاً أيضاً، فلوقا الذي كتب الإنجيل الثالث كان من أنطاكية، أي كان من بلادنا، كما كان الرسل والإنجيليون الآخَرون. ويُعتبَر إنجيلُ لوقا إنجيلَ الرحمة والحنان، لأنّه يذكر الأمثلة التي تذكّرنا بالرحمة الإلهية، وهو يتكلّم هنا عن قيام يسوع بالإرسال الختامي للتلاميذ، بقوله لهم: إذهبوا في الأرض كلّها، كما سمعنا في النشيد منذ قليل، وأعلِنوا البشارة للخلق أجمعين".
وأكّد غبطته على أنّنا "نحتاج اليوم، أيّها الأحبّاء، إلى تلاميذ ممتلئين من روح الرب يسوع، ومقتنعين برسالتهم، لا سيّما الخدّام، أي الكهنة الذين يخدمون أولادنا وشبابنا في الرعايا، نحتاج إلى رسل. وأنتم تعرفون أنّ تهجيرنا، وخاصّةً من أرض الرافدين، كان تهجيراً جماعياً مخيفاً، فقد كانت هناك هجرة في السابق، وكان هناك أشخاص وعائلات يهاجرون لأسباب مختلفة، لكن أنتم، بشكل خاص، كنتم تعيشون في أرضكم، بالرغم من الصعوبات، بكرامتكم، وتضحّون بالكثير كي تحافظوا على عائلاتكم ومن أجل خير بلدكم، إلا أنّ عصابات الشرّ أجبرَتْكُم على التغرُّب، واستقبلكم هذا البلد، الذي هو قارّة بكاملها، بالترحاب قدر الإمكان، وأعطاكم فرصةً كي تعيشوا حياتكم بكرامة إنسانية تليق بكم، وأنتم تستحقّونها، وبالحرّية الدينية الغير موجودة، للأسف، في بلادنا دائماً. وبدل أن يجعلنا هذا الأمر نتشكّى ونتذمّر ونتباكى، يجب أن يدفعنا إلى شكرِ الرب، لأنّه أعطانا هذه النعمة، أن نكون هنا في هذا البلد الذي يهبنا الحرّية الحقيقية، إلى جانب صعوبات وتحدّيات كثيرة أيضاً".
وصلّى غبطته "من أجل كهنتنا، والكهنة اليوم في كلّ العالم، ليسوا على قدر الحاجة للحصاد، وقد سمعنا منذ يومين قول الرب يسوع في الإنجيل المقدس: الحصاد كثير والفعلة قليلون. أبونا يوحنّا وأبونا ماجد يبذلان كلّ جهدهما كي يخدماكم، ونحن ندرك أنّ الخدمة في كنيسة الانتشار، أي في بلاد الاغتراب، مثل كنيسة أستراليا، ليست خدمة سهلة أبداً. ففي بلادنا في الشرق، يأتي الناس إلى الكنيسة وإلى الكاهن، لكن هنا في الغرب، يحتاج الناس أن يزورهم الكاهن قدر الإمكان، ويعودَ المرضى من بينهم، ويصلّي من أجلهم، ويرافق الشباب والأولاد الصغار. وتعرفون أنّ هذا الأمر ليس سهلاً في هذه الأيّام، في حين أنّ الاتّهامات كثيرة تجاه الذين يخدمون في الكنيسة".
وتضرّع غبطته إلى الرب يسوع "من أجل هؤلاء الرسل، ومن أجل الذين يودّون أن يأتوا ويخدموا هنا، لأنّنا نرى أنّ إرساليتكم العزيزة تزداد كثيراً، والعدد يكبر وبسرعة، وهذا يتطلّب منّا نحن، كرعاة مؤتمَنون على خدمتكم، أن نفتّش عن الكهنة وطالبي الكهنوت المستعدّين أن يتجرّدوا عن كلّ شيء، وعن كلّ مصلحة مادّية، وحتّى عن الأهل والطموحات الشخصية، كي يخدموا الشعب الذي أوكله الرب إليهم".
وختم غبطته موعظته سائلاً "الرب يسوع، الراعي الصالح، أن يمنحنا رعاةً صالحين، ويذكّرنا أنّنا، أكنّا أساقفة أو كهنة أو شمامسة، أو في الحالة العلمانية، أو رجالاً أو نساءً، أو شبّاناً أو شابّات، علينا أن نبقى شهوداً له، هو إله المحبّة والخير والسلام والفرح، بشفاعة أمّنا مريم العذراء، والعائلة المقدسة، وجميع القديسين والشهداء، فنظلّ ثابتين فيه، ونحيا كتلاميذ حقيقيين للرب على الدوام".
وكان الأب يوحنّا إينا قد وجّه كلمة ترحيب بغبطة أبينا البطريرك، معبّراً باسم إرسالية سيدني عن عميق الفرح بهذه الزيارة الأبوية الثانية لغبطته، وعن جزيل الشكر لتجشّمه عناء السفر وتفقُّده أبناءه الروحيين المتعطّشين إلى لقائه، مثمّناً الجهود الجبّارة التي يبذلها غبطته في رعاية الكنيسة والمؤمنين في كلّ مكان، شرقاً وغرباً، سائلاً الرب أن يمتّعه بالصحّة والعافية والعمر المديد، ليتابع مسيرته الراعوية بما حباه الله من نِعَم وبركات.
كما شكر أصحابَ السيادة والآباءَ الكهنة الحاضرين والشمامسةَ وأعضاءَ الجوق واللجان العاملة في خدمة الإرسالية وجميعَ المؤمنين المشاركين في هذه المناسبة المباركة، مجدِّداً باسم الجميع مشاعر المحبّة البنوية والامتنان لغبطته على محبّته الأبوية التي يحيطهم بها دائماً، واعداً بأن تستمرّ هذه الإرسالية بالشهادة للرب والتمسّك بالإيمان به والتعلّق بكنيستنا السريانية الكاثوليكية والاعتزاز بتراث الآباء والأجداد.
وبعدما منح غبطته البركة الختامية، خرج من الكنيسة بموكب حبري مهيب، والتقى بالمؤمنين في لقاء جمع الأب بأبنائه وبناته، في جوّ عابق بالفرح الروحي.
|