في تمام الساعة الحادية عشرة من صباح يوم الأحد 1 كانون الأول 2024، احتفل غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بالقداس الإلهي بمناسبة أحد زيارة العذراء مريم إلى نسيبتها أليصابات، وذلك على مذبح كنيسة مار أفرام السرياني في باريس، فرنسا.
عاون غبطتَه المونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، والمونسنيور بيار النادر كاهن رعية مار أفرام في باريس، بحضور ومشاركة صاحب السيادة المطران بيتر كرم المدبّر الرسولي لأبرشية سيّدة لبنان للموارنة في فرنسا، والأب Pierre Brun LE GOUESTممثّلاً الخوراسقف باسكال كولنيش النائب العام لشؤون الكاثوليك الشرقيين في أبرشية باريس اللاتينية، والذي اعتذر عن الحضور بداعي السفر، وشمامسة الرعية، والجوق، وأعضاء المجلس الرعوي، واللجان العاملة، وجموع غفيرة من المؤمنين من أبناء الرعية.
وفي موعظته بعد الإنجيل المقدس، بعنوان "تعظِّم نفسي الرب وتتهلَّل روحي بالله مخلّصي"، استهل غبطة أبينا البطريرك كلامه معبّراً عن "الفرح الذي يغمرنا والمحبّة التي تملأ قلبنا نحوكم، ونحن نأتي إليكم في هذا اليوم المبارك كي نحتفل معاً بالقداس الإلهي بمناسبة أحد زيارة أمّنا مريم العذراء إلى نسيبتها أليصابات، وبالسريانية نسمّيها ܐܶܠܺܝܫܒܰܥإليشباع، أي الله يرضى، والله يغذّي. نتمنّى لكلّ أخت تدعى إليزابيت حياةً مليئةً بالقداسة. وباسم كاهن الرعية المونسنيور بيار النادر، والشمامسة، وجميع الحاضرين من مجلسها ولجانها والمؤمنين، باسمكم جميعاً نرحّب بأخينا العزيز سيادة المطران بيتر كرم راعي أبرشية الكنيسة المارونية الشقيقة في فرنسا، أهلاً وسهلاً بكم سيّدنا، وجودكم معنا يملأ قلبنا فرحاً. كما نحيّي الأب بيار الذي يمثّل الخوراسقف باسكال كولنيش".
وأشار غبطته إلى أنّنا "نأتي إليكم مع المونسنيور حبيب مراد، بعد أن شاركْنا في لقاء لمسؤولين سياسيين وحقوقيين من بلدان عدّة، هم كاثوليك اجتمعوا في المانش La Manche، يفكّرون معاً، من دون إعلام، حيث كنّا نلتقي ونصلّي يومياً المسبحة ونحتفل بالقداس، رجالاً ونساءً، من أوروبا وأفريقيا والولايات المتّحدة الأميركية وأميركا اللاتينية وأستراليا، وكنّا فرحين جداً أن نجد بعض السياسيين الملتزمين بإيمانهم، والذين لم يتلطّخوا بالسياسة التي نعرفها، خاصّةً في هذه البلاد التي أصبحت علمانية بشكل مخيف. كنّا نحتفل بالقداس في كنيسة القرية القريبة، وقد أخبرونا بأنّ هذه الكنيسة مقفلة ولا قداس ولا كاهن يخدمها، مع أنّ القرية مؤسَّسة على رعية كاثوليكية، والكنيسة جميلة بناها آباؤهم وأجدادهم، لكن للأسف فالعلمنة والمادّية تفشّت في هذه البلاد التي تأسّست على الإيمان المسيحي".
ولفت غبطته إلى أنّنا "مسرورون جداً أن نكون بينكم كي نحتفل بقداس أحد زيارة العذراء مريم إلى أليصابات، فقد استمعنا إلى الإنجيل المقدس من القديس لوقا، حيث يروي لنا هذا اللقاء الرائع والمفرِح بين مريم وأليصابات، ومريم عبّرت على الفور قائلة: تعظّم نفسي الرب وتتهلّل روحي بالله مخلّصي. ونحن نعيش في هذا الوقت الصعب والمؤلم حقّاً، ونستطيع أن نقول الكارثي، لجهة ما حصل في لبنان على مدى أكثر من شهرين من حرب ضارية، وما يجري في سوريا حالياً، ولا سيّما في حلب ومحيطها. لسنا فقط حزانى، بل نحن منذهلون وقلوبنا مُدماة بهذه الأخبار الكارثية، فقد حلّت الأزمة بلبنان الذي قاسى لأكثر من شهرين هذا الصراع المدمّر بين إسرائيل وفريق لبناني متمثّل بحزب الله، كنّا فيه رهائن لهؤلاء المتحاربين، إلا أنّنا استمرّينا مواظبين على الصلاة والرجاء".
وتوقّف غبطته عندما "ما يحصل الآن في سوريا، وهو غير مفهوم ومخيف، إذ لسنا أمام حرب أو نزاع بين فريقين أو جيشين لدولتين يتبادلان القصف، أو كما حدث في لبنان، لكن هي ميليشيات إرهابية غزت حلب بطريقة مفاجئة، ولا نعلم ما سيحدث لإخوتنا وأخواتنا هناك، وخاصّةً للمسيحيين الذين عادوا إلى حلب كي يعيدوا بناء مدينتهم وبلدهم. وها هم الآن والخوف يتملّكهم، وكثيرون منهم لا يستطيعون الخروج، وماذا سيكون مصيرهم، لا أحد يعلم! علينا أن نجدّد على الدوام رجاءنا بالرب يسوع الذي وعد كنيسته أنّه سيبقى معها حتّى نهاية الأزمنة".
ونوّه غبطته إلى أنّنا "اتّصلنا مراراً بصاحب السيادة أخينا المطران مار ديونوسيوس أنطوان شهدا رئيس أساقفة أبرشيتنا السريانية الكاثوليكية في حلب، ونحن على تواصل دائم مع سيادته، وكذلك مع أحبّائنا الخوارنة والكهنة هناك، كي نستعلم منهم عن أخبارهم وأخبار المؤمنين، وكذلك باقي الأساقفة والإكليروس والمؤمنين من كلّ الكنائس الشقيقة في حلب، ونحن نحملهم جميعاً بصلواتنا وتضامننا، ونسأل الرب أن يحفظهم سالمين، ويحميهم من كلّ شرّ أو مكروه".
وأكّد غبطته على أنّنا "نحتاج اليوم أكثر من أيّ وقت مضى إلى إعادة تجديد رجائنا بالرب، وهذا ما استمعنا إليه للتوّ من الرسالة إلى العبرانيين، والموجَّهة إلى اليهود لتذكيرهم أنّ الرب كان منذ البداية مهتمّاً بمصير شعبه الذي كان يعيش الإيمان. وقد ذكر كاتب الرسالة عدداً من شخصيات العهد القديم، وصولاً إلى ابراهيم الذي وضع إيمانه وثقته بكلام الرب، فخرج من أرضه دون أن يعلم إلى أين يتّجه، لكنّ إيمانه كان قويّاً. لقد رجا فوق كلّ رجاء، كما يذكّرنا مار بولس".
وذكّر غبطته أبناء الرعية "بالاستعداد هذه السنة للوصول إلى شهر أيلول القادم 2025، حيث سنحتفل معاً، بإذن الله، باليوبيل المئوي لتأسيس هذه الرعية المباركة، رعية مار أفرام السرياني وكنيستها في باريس، وهي أقدم رعية لنا في بلاد الانتشار. نتّكل عليكم، أحبّاءنا، للتعاون والتهيئة لهذه المناسبة التاريخية التي نسأل الله أن يجعلها سبب بركة لهذه الرعية وأبنائها جميعاً".
وختم غبطته موعظته مشدّداً على أنّه "ليس لنا إلا الصلاة والرجاء، نصلّي إلى الرب يسوع، طالبين على الأخصّ شفاعة أمّنا مريم العذراء، شفيعتنا وحاميتنا ومنجّيتنا. نسأل الرب، بشفاعة أمّه الطوباوية مريم، أن يعيد إلينا الرجاء الحقيقي، كي نبقى راسخين في أرضنا في الشرق، هذا الشرق المعذَّب منذ سنوات، وكي نستطيع أن نعطي الرجاء لأولادنا وشبابنا، وكي نتمكّن من متابعة أداء الشهادة للرب يسوع الذي هو المخلّص والداعم والحامي والمرافق لنا، فلا نتردّد أبداً، ولا نفقد إيماننا ورجاءنا البتّة. هذا ما نطلبه من الرب، بشفاعة أمّنا مريم العذراء، ومار أفرام شفيع هذه الكنيسة المباركة، وجميع القديسين والشهداء".
وقد ألقى المونسنيور بيار النادر كلمة رحّب فيها بغبطته، فقال: "بفرح كبير وامتنان عميق نرحّب بكم، يا صاحب الغبطة، في هذا الأحد المبارك، فحضوركم بيننا هو شرف عظيم وبركة كبيرة لرعيتنا، ونحن نحتفل اليوم باللقاء بين مريم وأليصابات، والذي هو عمل إيمان وتضامن ومحبّة. إنّنا مدعوون كي ندرك أهمّية الوحدة بالإيمان المسيحي وبالدعم المتبادَل في حياتنا الروحية. وكما ذهبت مريم حاملةً نور المسيح إلى نسيبتها أليصابات، نحن أيضاً، في هذا الوقت المميّز، نجتمع كي نتشارك هذا النور وهذا الفرح، فنكبر معاً بإيماننا".
وتابع قائلاً: "زيارتكم، يا صاحب الغبطة، هي بالنسبة لنا مصدر إلهام ودعوة كي نتبع مثال مريم، فنقدّم الدعم، أحدنا للآخر، ونحمل سلام الرب في حياتنا اليومية. نحن ممتنّون جداً للمحبّة التي تكنّونها لكنيسة ورعية مار أفرام في باريس، ولكلّ رعية وإرسالية في كنيستنا السريانية الكاثوليكية في كلّ مكان. أدامكم الرب بالصحّة والعافية والعمر المديد في رعاية كنيستنا السريانية".
وختم بالقول: "فليذكّرنا هذا اليوم بجمال الضيافة والتضامن المسيحي، وليغذِّ نفوسنا بشركة الإيمان، راجين مريم أن تزور بلادنا الممتحَنة بالحروب وأعمال العنف والانقسامات، كي يحلّ سلام ابنها يسوع على شعوبها التي تعاني وتتوق إلى المصالحة والسلام. أهلا بكم، يا صاحب الغبطة، وليعضدكم الرب بسخاء في رسالتكم وفي كلّ مراحل خدمتكم، وليملأ فرح زيارتكم قلوبنا، ويقوّي التزامنا بالعيش بحسب مقتضيات الإنجيل".
كما رحّب الأبPierre Brun بغبطته، باسم الخوراسقف باسكال كولنيش، ناقلاً إليه مشاعر الفرح والمحبّة والصداقة والتقدير لغبطته وللكنيسة السريانية، وكذلك التضامن التامّ في أيّام المحنة هذه، لا سيّما تجاه أبناء الكنيسة في سوريا وفي لبنان.
وبعد انتهاء القداس، التقى المؤمنون بغبطة أبينا البطريرك، ونالوا بركته الأبوية، في جوّ من الفرح الروحي العابق بلقاء الأبناء مع أبيهم الروحي.
|